100 100 100

لماذا الخصام تعالوا لنتصالح

اعلان

قال الله تعالى : }لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً{  النساء / 114
الشقاق والخلاف من أخطر أسلحة الشيطان الفتاكة الَّتي يوغر بها صدور الخلق . لينفصلوا بعد اتحاد ، ويتنافروا بعد اتفاق ، ويتعادوا بعد أُخوَّة ...
ما قيمة العقيدة الصحيحة ؟ وما قيمة العبادات ؟ وما قيمة هذه الشعائر التي نمارسها جميعاً ؟ إذا كانت القلوب ممتلئة بالبغضاء والحقد والحسد والاستعلاء ، إذاً لماذا الخصام والخلاف ؟ ألا نتصالح ؟
إصلاح ذات البين جُزءٌ أساسيٌ من الدين .
كم من إنسان رَفض الدين كله لمعاملةٍ سيئةٍ  تلقَّاها من مسلم ؟
كم من إنسانٍ كفر بالصلاة لأنه عامل إنسانًا يصلي ويكذب ، ويصلي ويحتال ؟
تجد المسلم يؤدي الشعائر ،أما في التعامل فتجده صفرًا ،في التعامل يكذب ، في التعامل يحتال، في التعامل يأخذ ما ليس له ،يوقع في الناس صدمة خطيرة جداً ، صدمة اسمها خيبة الأمل بالدين ، هو شخص ، محدد ، معين ، له اسم ، عندما عمل عملاً سيئاً نَقَل الإساءة لدينه ، نقل الإساءة لإسلامه .
النجوى التي ذكرها الله تعالى في الآية السابقة هي الحديث الدائر بين اثنين أو أكثر بالسر .
هذه النجوى قد تكون كلاماً سخيفاً أو حديثاً لا قيمة له , فهي مكروهة عند الله , لكن قد تؤدي إلى حصول مشكلة أو خصام بين الناس .
الأفضل أن نتصالح ونسعى في الإصلاح .
بل إن الإصلاح بين الناس : هو أفضل الصدقات , تبلغ بها أعلى الدرجات عند الله عز وجل ،
بل أفضل من صلاة النافلة ، لو واحد صلى الأوابين ، وواحد أصلح بين اثنين ، الإصلاح بين اثنين أفضل من صلاة النافلة ، ومن صيام النفل  .
فحينما ينطلق لسانك بالإصلاح بين الناس ، بين أخوين ، بين شريكين ، بين زوجين ، بين إنسان وربه ، بين أخوين مؤمنين ،
أو ينطلق لسانك لحل مشكلات المسلمين من خلال معروف تفعله ،
أو حينما ينطلق لسانك بدفع الناس إلى عمل صالح يقربهم من ربهم هذه النجوى إن كانت علانية أو سرية محمودة عند الله عز وجل , ولك أجر عظيم
} ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً {النساء/114

مشكلة المسلمين أنهم يتعاملون مع الكلام , نحن تتباهى !! ديننا دين عظيم ، ديننا دين التوحيد ، والواقع ليس ذلك ، فهناك عداوة وبغضاء ، وحسد ، وغيبة ونميمة ، وكذب ، واحتيال ، واغتصاب ، اغتصاب أموال ، واغتصاب أعراض  .
يقول تعالى : } لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس{   أي كلامٍ لا قيمة له ما لم تأمُر بمعروفٍ أو تصلح بين الناس .

إصلاح ذات البين فرض ، كما أنك تصلي ينبغي أن تُصلح ذات بينك ، بينك وبين أخيك ، بينك وبين جارك ، بينك وبين صديقك ، بينك وبين أبيك، بينك وبين أمك ..
هذه الآية مركزية ، مفصلية ، اصلح نفسك ، عرفها بربها واحملها على طاعته ، واصلح ما بينك وبين الله ، واصلح ما بينك وبين الناس ، واصلح بين أية علاقة بين شخصين .
تجد زوجين بينهما علاقة سيئة جداً ، شقاق ، وكلام قاس ، ولامبالاة ، وإغاظة ، وشحناء ، وبغضاء ، بيت محطم ، أليس لديك إمكان أن تُصلح العلاقة بينك وبين زوجتك ؟ بإمكانك ، فإذا دخلت بيتك فسَلِّم ، وجدت فيها إيجابيات أثنِ عليها ، وجدتها غاضبة اسكت ، جاء أهلها أكرمهم ، هذه كل القصة ، بيدك أن تملك قلبها ، بالبِرِّ يُسْتعبد الحر ، بإمكانك أن تثني عليها بما هو فيها ، من دون كذب ، بإمكانك أن تقدِّم لها هدية ، بإمكانك أن تُحسن كلامك معها ، بإمكانك أن تُكرم أهلها ، في عندك وسائل كثيرة ، بإمكانك أن ترفعها إلى مكانةٍ مقبولة ، لا أن تعدها من الدرجة الثانية .

أصلح علاقتك بينك وبين من حولك ، ثم أصلح علاقتك بينك وبين الناس ، ثم بادر إلى إصلاح علاقةٍ بين رجلين أو بين زوجين .
ألا تدري ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟؟ قال :} ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى ، قال : صلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة{  رواه أبو داود  
وقال : 
 }ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة , وصلاح ذات البين , وخلقِ حسن{ صحيح  
وقال : 
} كل سلامي من الناس عليه صدقة ، كل يوم يعدل بين الناس صدقة {  رواه البخاري 

أفضل الصدقة على الإطلاق إصلاح ذات البين ، لقول النبي صلى الله عليه و سلم لأبي أيوب الأنصاري :
} ألا أدلك على تجارة ؟ قال : بلى ، قال: صِل بين الناس إذا تفاسدوا ، و قرِّب بينهم إذا تباعدوا ......{
وفي رواية أخرى : } ألا أدلك على عمل يرضاه الله ورسوله ؟ قال : بلى ، قال : صِل بين الناس إذا تفاسدوا ، و قرِّب بينهم إذا تباعدوا ......{

لا يمكن أن ينزل الهلاك بقوم فيهم المصلحون ، كما قال الله تعالى :
}                        وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ {هود/116
لاحظ قوله (مُصْلِحُونَ ) ولم يقل : وأهلها صالحون ، لماذا ؟؟؟
لأن المصلح أعم وأشمل وأنفع من الصالح في نفسه؛
لأن المصلح يسعى ويعمل جاهدًا لإصلاح الناس وصلاحهم حتى تستقيم الأمور كما أمر الله عز وجل بأن يدعو إلى الله عز وجل، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويهمه أمر المسلمين بعامة .
حينما تقع خصومة بينك و بين الناس ، فالله عز وجل يتولى أمرك و يصلح هذه الخصومة ,
قال النبي صلى الله عليه و سلم: 
} من أصلح بين الناس أصلح الله أمره ، و أعطاه بكل كلمة تكلم عتق رقبة ، و رجع مغفورا له ما تقدم من ذنبه {

فإذا الإنسان آتاه الله طلاقة لسان و شخصية قوية و حجة ، وكُلِّف بإصلاح بين زوجين فلا يقصِّر ، لا يقل : لا وقت عندي ، والله عندي شغل ، نحن عندنا موسم ، هذا أعظم عمل تعمله .

الإنسان إذا وفّق بين صديقين ، بين جارين ، بين شريكين ، بين أخوين ، بين أم وابنها ، بين أب وابنه ، بين أخ و أخيه ، بين صاحب وصاحبه ، بين زميل وزميله ، إذا وفّقت بين اثنين فهذه صدقة .
كل واحد منا يقدر يصلح علاقته مع الآخرين بكلمة طيبة ، بهدية كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم : 
} الهدية تذهب بِحَر الصدر {

بكلمة طيبة ، باعتذار ، قل له : سامحني ، أنا أخطأت بحقك ، والله الطرف الآخر سيذوب خجلاً منك ، قل له : سامحني ، أنا أخطأت بحقك ، لا تؤاخذني ، سامحني ، كلمة سامحني تذوِّب الصخر ، لو قال لزوجته : سامحيني أنا قصرت بحقك ، غلطت معك ، ينتهي كل شيء ، ولكن كِبر ، لا يتراجع ، وهي عندها كِبْر .
الإنسان لا يسعد إلا بعلاقة طيبة مع زوجته ، مع أولاده ، مع جيرانه ، مع أولاد عمه ، مع أخوة زوجته ، تجده ينتقدهم أمامها طوال الوقت ، يحطمها تحطيم ، هؤلاء أخواتها ، مدة جلوسه كلها ينتقد أباها ، لماذا ؟ دخل فيه شيطان ، و دخل شيطان فيها .
   
لك جار لسانه طويل ، فهل تستطيع قص لسانه ؟  قدَّم له هدية فيسكت ,
فإذا كان لك جار مزعج ، طويل اللسان ، قدم له هدية تجده تلملم ، دائماً أنت خذ جانب السلم ، جانب الإحسان ، جانب العفو ، كلما كبر إيمانك كبر قلبك ، وكلما كبر قلبك يسع أخطاء الناس كلها ، فإنسان يقتل عمه حمزة وأعلن الإسلام ، فانتهى الأمر ، المؤمن لا يحقد ، المؤمن سليم الصدر أمام الناس جميعاً .

لاحظ كيف ذكر الله عز وجل أوصاف المنافقين : أنهم مفسدون في الأرض مع ادعائهم الإصلاح وهم على النقيض من ذلك كما قال الله تعالى :
} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ{ البقرة/11
ترى المنافقين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، قال الله عنهم:
} ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ{التوبة/67

حينما تأخذ ما ليس لك ، وتستمتع بما ليس لك ، تنشأ العداوات و الخصومات و التجاوزات ، و الانحرافات و الطغيان ، مشاحنات ، بغضاء ، تحاسد ، تنافس ، تقاطع ، تدابر ، هناك علاقات فاسدة بين الناس ، تحصل خلافات بين الناس  .

من حقِّ أخيك المسلم عليك أن يَسلَم أخوك من شرِّ لسانك ويدك، فلا يكن لسانُك مغتابًا له ولا ساعيًا بنميمةٍ بينه وبين إخوانه لقصدِ الإفساد، ولا يكن لسانك يرميه بالعظائم ويتَّهمه بما هو براء منه ويقول عليه إثمًا، فحذّره من ذلك وبيّن له قول الله:
} وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا{الأحزاب/58

من حقِّ أخيك عليك أن تنصُره إذا وقعت عليه مظلمة، فتكون معه إلى أن يحقِّق الله له مطلوبَه بالطرق السليمة.
دعوةَ المظلوم مستجابة }واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب{البخاري ومسلم
واختتم الله الآية الكريمة بقوله : } إن الله كان سميعاً بصيراً  { 
أي إن لم تحكموا بالعدل بين الناس فالله يسمع صوت المظلومين ، وإن سكتوا يعلم أحوالهم ، سميعاً بصيراً .
يجب علينا أن نوقف الظالم عن ظلمه ونأخذ على يده وننصر المظلوم ونصلح بين المتخاصمين: كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
}ولتأخُذُنّ على يد الظالم، ولتأطُرُنّه على الحق أَطْرًا، ولتقْصُرُنّه على الحق قَصْرًا،أوليضْرِبَنّ الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننّكم كما لعنهم{أبو داود والترمذي.

أ . حسام حسن كيوان


من فضلك .. شارك الموضوع إذا أعجبك

ضع تعليقا أخي الكريم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الموضوع السابق الموضوع التالي الصفحة الرئيسية

جميع الحقوق محفوظة لموقع أفكار ستغير حياتك ©2015-2016 | فهـرس الـموقــع | سياسة الخصوصية